أوراق من ملف ضابط بوليس سابق

أوراق من ملف ضابط بوليس سابق
ضابط وعاشق للصحافة يكشف أسرار اأمضي عليها نصف قرن!
بقلم: محمود الورداني
أدهشني بشدة ما ذكره المحامي وضابط البوليس الراحل محمد رفعت في تقديمه لكتابه 'مذكرات ضابط بوليس' الصادر في سلسلة كتب للجميع الذائعة الانتشار في أغسطس 1956، أي قبل أكثر من نصف قرن، أدهشني بشدة أنه من أوائل من كتبوا القصة البوليسية واصدر منها أثناء خدمته في البوليس مجموعتين هي 'سر الجريمة' و'من دفتر الأحوال' عام 1947، والمعروف ان هذا اللون من الكتابة نادر جدا ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي بكامله، وان كان منتشرا بقوة في اوروبا والولايات المتحدة.

الكتاب وقع في يدي صدفة من أحد باعة الكتب القديمة بشارع الجلاء، ولفت نظري أيضا أنه اصدر أول مجلة بوليسية باللغة العربية باسم 'البوليس السري عام 1947 ايضا، اما كتب الجاسوسية فقد أصدر منها 'الجاسوسية في مصر' وهي مذكرات شاهد عيان الي جانب عدد آخر من الكتب المتنوعة منها 'أيام التملذة' و'أسد الجزيرة قال لي' و'أنا عائد من ليلة سكس' و'أسرار الحياة الجنسية'.
الاستاذ محمد رفعت ولد عام 1917 رحلته في الحياة طويلة وحافلة فقد تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1939 وفي كلية البوليس عام .1941
أما الصحافة فكانت عشقه الدائم والذي لم يستطع التخلص منه مطلقا منذ كان تلميذا في الثانوي. ولذلك ظلت الصحافة تطارده أثناء خدمته كضابط، وعندما كان رئيسا لمباحث قسم الأزبكية في الاربعينات، طارده عشقة للصحافة، وكان رائدا للصحافة 'البوليسية' فأصدر مجلة 'البوليس السري'.
تنازعته الصحافة اذن وعمله كضابط بوليس حتي اضطر للاستقالة بعد ان عارضه رؤساؤه في اشتغاله بالصحافة.. وكانت استقالته ايذانا بانطلاقته الكبري كصحفي عاشق للعمل الصحفي فاشتغل في صحفيتين يوميتين ثم في دار الهلال، وله ايضا نشاط اذاعي بارز وكتب عدة برامج وتمثيليات اذاعية.
أي أن نشاط الراحل كان حافلا ومتنوعا، ومع ذلك فقد غاب صوته وقلمه اللذان كان لهما دوي هائل، فقد قابل الكثير من ملوك ورؤساء حكومات العالم وسجل لهم احاديث وتصريحات كان لها صداها آنذاك.
وقبل ان انتقل الي كتابه الشائق، لابد ان اشير الي ان للراحل الكبير دين في عنق هذا الوطن، ولا اقل من اعادة طبع اعماله وخصوصا مجلة البوليس السري، ليس فقط بسبب الأهمية التاريخية الضخمة، بل ايضا بدافع الوفاء لذكري الرجل الذي غاب تماما بعد رحيله.
الكتاب يضم مذكرات الاستاذ محمد رفعت التي كتبها بين 30 يونيو 1946 وحتي 10 يناير 1949 حول عمله في البوليس خلال هذه الفترة. واللافت للننظر ان رائد القصة الكبير الراحل محمود تيمور قدم الكتاب، وهو امر ليس سهلا، وتيمور ليس هو الرجل المتاح السهل ليكتب مقدمة لاي كتاب والمعروف عنه هو العكس تماما، وهذا معناه انه وجد في الكتاب ما يستحق ان يكتب له مقدمة بل ويصفه بالضابط الأديب خصوصا قصة الشاب الايطالي وفقيدته، او علي حد تعبير تيمور:
'لقد استطاع الضابط الأديب صاحب هذه المذكرات ان يستخلص من بين الأحداث التي كان يضطرب فيها أثناء عمله 'زبدة فنية' تختلج فيها عاطفة انسانية دافقة، ويسري فيها روح حيوي جياش، وتلك هي القيمة الثمينة لتلك المذكرات التي اصبحت في اطارها هذا ادبا خالصا خليقا بالاعتبار'.
أما الاستاذ محمد رفعت نفسه.. فكتب السطور التالية يقدم بها كتابه:
ما كنت أقدر لهذه المذكرات ان تطبع وتنشر، فلقد كتبتها لنفسي يوما بعد يوم، لأنفس فيها عن ضيق صدري بما صادفت وعانيت في خلال تلك المرحلة من حياتي، ولكن اذ قدر لها اليوم ان تطبع ان تنشر ارجو ان يتسع الصدر لما تضمنته في بعض صفحاتها من صراحة قد تكون قاسية، فلم اقصد بها الا النقد النافع المفيد، وعرض ماكسبته من تجارب ودروس هي بعض خميرة ما اكتبه اليوم ويعتز به قلمي.
والعهد الذي نعيش فيه اليوم، عهد الثورة، غير تلك العهود التي مضت، كذلك العهد الذي تتحدث عنه هذه المذكرات، ومضي معها فساد الحاكم والمحكومين.
والبوليس اليوم وقد فعل البكباشي زكريا محيي الدين وزير الداخلية من اجله ما فعل صار سيفا ماضيا مصقولا من سيوف الحق والعدل، لايسخر ابدا لهوي، أو يتخذ اداة لظلم.
وقد اثرت ان اترك المذكرات كما هي، بنفس الاسلوب واللغة التي كتبتها بها، اسلوبي ولغتي في ذلك العهد البعيد، حتي لا افسد بصناعة اللغة وحبكتها طلاوة وطرافة التعبير عن المشاعر والاحاسيس التي ترجمتها كتابة في وقتها وانا منفعل متأثر بها.
وأود أن أوجه نظر القاريء الي ان كل أسماء الناس والقري والبلدان التي وردت في هذه المذكرات اسماء افتراضية غير حقيقية كما ان ابطال هذه المذكرات الجبابرة الخطاة قد ذهبوا كلهم الي النسيان.. بالموت.. او بالتطهير..
في العدد القادم ابدأ في عرض أوراق الاستاذ محمد رفعت، وأنا واثق ان القاريء سيستمتع بها كما استمتع القراء منذ اكثر من نصف قرن.

نقلا عن مجلة الحوادث 14 فبراير 2008

نقل موفق
مديرنا العزيز

شكرا اخي حسن

موضوع جميل جدا

جزاك الله خيرا